السلام عليكم و رحمة الله
هذه ترجمة الداعية المصلح محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي ،الذي وصل الى مملكة سنغاي بالنيجر ، مرورا ببلاد التكرور بالسودان الاعلى ، و كانو و نيجيريا بعد أن أنتقل منتلمسان إلى واحات ادرار ، تمنطيط ، توات و غيرها من القصور بالصحراء الإفريقيةالشاسعة مجاهدا في سبيل نشر الدعوة و تنقية الإسلام مما علق به من شوائب البدع والخزعبلات.
كنيته و مولده و نشأته:
أبو عبد الله، محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني ، [ و المغيلي : بفتح الميم نسبة إلى مغيلة قبيلة من البربر استوطنت تلمسان ووهران و المغرب الأقصى، وهي فرع من قبيلة صنهاجة كبرى شعوب الأفارقة البيض (انظر وصف إفريقيا 1/36،38)] ولد في مدينة تلمسان سنة 790 هـ / 1425 م ، من عائلة راقية النسب ، و مشهورة بالعلم و الدين و الشجاعة في الحروب و هو يعتبر العالم رقم عشرين في سلالة المغيليين التي تبتدأ بإلياس المغيلي [ و هو ذلك العالم البربري الذي اعتنق الاسلام ، وحمل لواء الجهاد فكان له شرف المشاركة مع طارق بن زياد في فتح الأندلس ]، والده عبد الكريم اشتهر بالعلم و الصلاح ، كما أن أمه اشتهرت بأنها سيدة فاضلة تحب الفقراء و المساكين و تنفق عليهم بسخاء، و قد قام هذان الوالدان بتربيته و تنشئته تنشئة حسنة .
طلبه العلم و شيوخه:
حفظ القرآن الكريم على يد والده و الذي علمه أيضا مبادئ العربية من نحو و صرف و بيان كما قرأ عليه أيضا موطأ الامام مالك و كتاب ابن الحاجب الاصلي ، انتقل بعدها ليدرس عند الإمام الفقيه محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاب التلمساني ( ت سنة 875 هـ )، و الذي أخذ عنه بعض التفسير و القراءات ، ولقنه الفقه المالكي ، فقد ذكر المغيلي انه ختم عليه المدونة مرتين ، و مختصر خليل و الفرائض من مختصر ابن الحاجب ، و الرسالة.
كما تلقى العلم عن علماء و شيوخ تلمسان منهم :
- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي بن يحيى الحسني أبو يحيى التلمساني ( 826 و قيل 825 هـ ) ، عالم بالتفسير حافظ محدث من أكابر فقهاء المالكية ، قال عنه أحمد بابا في [ نيل الابتهاج ص 171] : " بلغ الغاية في العلم والنهاية في المعارف الإلهية وارتقى مراقي الزلفى ورسخ قدمه في العلم وناهيك بكلامه في أول سورة الفتح ولما وقف عليه أخوه عبد الله كتب عليه : وقفت على ما أولتموه وفهمت ما أردتموه فألفيته مبنيا على قواعد التحقيق والإيقان ، مؤديا صحيح المعنى بوجه الإبداع والإتقان بعد منقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةة كلام المفسرين ومراجعة الأفاضل المتأخرين".
- محمد بن إبراهيم [ بن يحي حسب الونشريسي في المعيار ] بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن الإمام أبو الفضل التلمساني ( ت 845 هـ ) " عالم بالتفسير والفقه مشارك في علوم الأدب والطب والتصوف من أهل تلمسان،
قال عنه السخاوي في ( الضوء اللامع 10/740) : " ارتحل في سنة عشر وثمانمائة فأقام بتونس شهرين ثم قدم القاهرة فحج منها وعاد إليها ثم سافر إلى الشام فزار القدس وتزاحم عليه الناس بدمشق حين علموا فضله وأجلوه ."
انتقل بعدها الى بجاية حيث أخذ عن علمائها التفسير و الحديث الشريف ، و الفقه و كانت بجاية حينئذ احدى حواضر العلم و الثقافة العربية الإسلامية،و كيف لا يقصدها و قد اصبحت قبلة العلم والعلماء، إذا كانت هذه الحاضرة قد استعانت بعلماء المشرق في نشر العلم ، ثم سرعان ما أنجبت وخرجت علماء كثيرين سار بذكرهم الركبان ليس فقط في المغرب الأوسط أو المغرب الكبير بل وذاع صيتهم في المشرق العربي حيث تولى بعضهم التدريس والقضاء في الشام وبغداد و مصر
انكب المغيلي على الدراسة في بجاية ، تلقى خلالها علوم جمة على يد علماء أجلاء أمثال:
- الشيخ أحمد بن إبراهيم البجائي (ت سنة 840هـ/1434م)، امام جليل، اشتهر بالتفسير و الفقه، تتلمذ له المفسر المشهور الثعالبي.
- منصور بن علي عثمان - أبو علي الزواوي المنجلاتي، من فقهاء و علماء بجاية ، و من ذوي العصبية و القوة فيها ، و كان من أصحاب الرأي و التدخل في الأحداث السياسية لمكانته المرموقة.
قال عنه السخاوي في الضوء اللامع : " رأيت من قال انه الزواوي العالم الشهير ، و انه مات بتونس 846 هـ "
كما أخذ عن غيرهم من العلماء منهم يحيى بن نذير بن عتيق أبو زكريا، التدلسي: " القاضي، من كبار فقهاء المالكية، من أهل تدلِّس، تعلم بتلمسان وولي القضاء بتوات، أخذ عنه محمد بن عبد الكريم المغيلي " [ تعريف الخلف 1: 196] و ابي العباس الوغليسي، و يذكر المغيلي: " أنه قرأ الصحيحين ، و السنن و موطأ الإمام مالك ، و الفقه المالكي ، و لم يكتف عبد الكريم المغيلي بما تحصل عليه من علوم في تلمسان و بجاية بل راح يبحث الاستزادة من رحيق المعرفة، فتوجه مباشرة إلى الجزائر أين اتصل بالمفسر المشهور - عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف بن طلحة الثعالبي صاحب التفسير المشهور (الجواهر الحسان) ، و لازمه ملازمة لصيقة ، و قد أعجب الإمام الثعالبي بالطالب المغيلي و بفطنته و ذكائه ، فزوجه ابنته اعترافا منه بعلمه و فقهه و أدبه.
العلماء في عصر المغيلي :
عاش الامام المغيلي في فترة شهدت بروز العديد من المفسرين و العلماء و الفقهاء و المؤرخين و الادباء و الشعراء ، الكثير منهم خالطه و اجتمع به و تبادل معه مجالس العلم و الادب نذكر منهم العلامة قاسم بن سعيد بن محمد العقباني المتوفي سنة 837 هـ ، و العلامة محمد بن أحمد بن مرزوق المتوفي سنة 842 هـ ، و العالم الصوفي ابراهيم التازي المتوفي سنة 866 هـ ، و العلامة الفقيه محمد بن يحي التلمساني المعروف بابن الحابك المتوفي سنة 867 هـ ، و العلامة محمد بن ابي القاسم بن محمد بن يوسف بن عمرو بن شعيب السنوسي المتوفي سنة 895 هـ ، و العلامة احمد بن زكري التلمساني المتوفي سنة 899 هـ ، و ابن مرزوق الكفيف المتوفي سنة 901 هـ ، و العلامة احمد ين يحي الونشريسي المتوفي 914 هـ و غيرهم، مما جعله يستفيد فائدة عظيمة من علمهم و نصائحهم و إرشاداتهم التي سنرى أثرها في دعوته فيما بعد .
يشبهه الكثير من المؤرخين و المترجمين الذين كتبوا عنه و عن جهاده و دفاعه لنشر الإسلام الصحيح و محاربة البدع و المنكرات بشيخ الإسلام ابن تيمية نفسه الذي تأثر به و بأفكاره و كتبه و رسائله التي كانت تصل إلى الشطر الغربي من العالم الإسلامي ، و ( يقال انه كانت بينهما مراسلات و هو ما أجاب عنه الدكتور عمار هلال في مقالة له نشرها بجريدة المجاهد الجزائرية بتاريخ 20 / 06 / 1985 م حيث ذكر أنه : " في المؤلفات الجزائرية التي لها علاقة بالعلوم الإسلامية : فقه و تفسير و حديث ...الخ في القرن الخامس عشر الميلادي ، هل نجد أي إشارة إلى ابن تيمية أو إلى أعماله ؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال ، و لكن ما يسمح لنا بالاعتقاد هو أن المغيلي نفى نفسه إلى الصحراء الجزائرية حيث كانت المواصلات حينئذ من الصعوبة بمكان و مع هذا فان فتاتا من المعلومات التي وصلتنا من تلك المنطقة الواسعة للشرق الاوسط تجعلنا نفكر بان ابن تيمية قد تمنى كثيرا أن يعرف ابن عبد الكريم المغيلي ، المهم هو أن كلاً منهما قد قام بعمله بدافع حماسته للإسلام حتى لو أنهما لم يلتقيا ، و المهم كذلك هو أن الرسالة التي أرادا نقلها وصلت تماما إلى الذين أرادا استقطابهم ليصبحوا مؤمنين صالحين " كما كانت له مراسلات و مناظرات مع الإمام السيوطي ، نقلها ابن مريم في كتابه " البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان " أثناء ترجمته للمغيلي.
الإمام المصلح و نازلة توات:
نقم الإمام المغيلي و انزعج من سلوك سلاطين تلك الفترة الذين كانوا يحكمون مملكة تلمسان و بجاية ، و بعد سخطه على أفعالهم و خاصة على الكيفية التي يعالجون بها رعاياهم ، و بعد أن اثر فيه سكوت أو تغاضي المثقفين و رجال العلم ، هاجر الإمام إلى منطقة تمنطيط بتوات أدرار، وكان لومه على السلاطين بسبب '' عدم امتثالهم لا في حياتهم الشخصية و لا في كيفية حكمهم الى قواعد الاسلام '' .
إن قصور توات وتيكرارين تمنطيط و أسملال و أولف و زاوية كونتة و فتوغيل ، كلها أسماء تشهد لهذا الإمام دهاده و دعوته ، هذه المناطق التي زارها صال و جال فيها يقوم بمهمة الدعوة إلى الله و الإصلاح ، و نشر المبادئ الإسلامية الصحيحة النقية كما عرفها السلف الصالح رضوان الله عليهم ، و قد احتضنته القبيلة العربية الأصيلة بني سعيد ، حيث عاش بينهم كواحد منهم يحترمونه و يبجلونه و يستمعون إلى دروسه و يتبعون دعوته حتى بدأ يكتشف دسائس اليهود الذين كانوا يعيشون في المنطقة منذ زمن بعيد ، وكانوا يستحوذون على السلطة الاقتصادية و الموارد المالية وأفسدوا الأخلاق والذمم - كما هي عادتهم دائما عليهم لعنة الله – حيث أنهم كانوا يتحكمون في اكبر كنز في الصحراء ألا و هو : الماء ، كما أنهم قاموا ببناء معبد لهم في واحة تمنطيط خارقين بذلك العهود التي بينهم و بين المسلمين، وقد شن عليهم المغيلي حربا شعواء لا هوادة فيها لوضع حد نهائي لتجاوزاتهم و استهانتهم بالدين الإسلامي ، لقد ضيق عليهم الخناق و بذلك ظهرت ما يسمى "بنازلة توات".
(( وأصل المشكلة التي طرحت على الفقيه الإمام المغيلي ، هو أن بعض المسلمين من "توات"، تلك الناحية المتواجدة في وسط الصحراء الجزائرية، والتي تضم عددا من الواحات أو القصور كما يسميها سكان الجنوب، وأهمها في القديم واحة "تمنطيط"، وهي لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، وقد تفوقت عليها في العصر الحاضر مدينة أدرار، وتمنطيط هي اليوم ضمن ولاية أدرار. قلت إن بعض المسلمين من توات، قد أنكروا على اليهود القاطنين في المنطقة، سلوكهم، ومخالفتهم للقوانين، وللتراتيب التي حددها لهم الفقهاء المسلمون، على مر العصور. وتفاقمت الأزمة بعد أن شيد أولئك السكان من اليهود، كنيسة جديدة لهم في "تمنطيط". وقد أثار هذا الخبر ثائرة المسلمين ، الذين اعتبروا تشييد معبد جديد، مخالفة صريحة للشريعة التي تسمح للذميين بإصلاح معابدهم القديمة فقط، وتحظر عليهم بناء معابد جديدة، غير أن بعض العلماء المحليين، وعلى رأسهم قاضي المدينة، خالفوا أولئك النفر من المسلمين وقالوا: إن اليهود ذميون، لهم ما لأهل الذمة من الحقوق المنصوص عليها في كتب الفقه. وقد احتج كل فريق بآيات قرآنية كريمة و بأحاديث نبوية شريفة ، وبأقوال السلف من الأئمة والفقهاء، غير أن كلا الفريقين لم يقو على فرض آرائه، وعلى استمالة عامة الناس إليه. وكان في مقدمة الناقمين على اليهود، العالم الكبير محمد بن عبد الكريم المغيلي. وقد اشتهر هذا الفقيه بنشاطه، وبحيويته في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي نشر تعاليم الإسلام و محاربة البدع و الخرافات خاصة ببلاد الزنوج – كما سنرى – حيث اصدر فتوى أكد من خلالها: " أن سيطرة اليهود على عموم نواحي الحياة في تلك الديار، وبخاصة النواحي الاقتصادية، يتنافى مع مبدأ الذلة والصغار التي اشترطها الإسلام مقابل حمايتهم وعيشهم بين ظهراني المسلمين، وعليه فإن هذا التفوق لليهود وإمساكهم بزمام السلطة من خلال سيطرتهم على التجارة، يستوجب - في نظر هذا العالم - محاربتهم وهدم كنائسهم وكسر شوكتهم ليعودوا إلى الذل والصغار". وقد أثارت هذه الفتوى، من قبل الإمام المغيلي، ردود فعل كثيرة في أوساط معاصريه من العلماء بين مؤيد ومعارض. ولما حمي الوطيس بين الفريق المناصر لمحمد بن عبد الكريم المغيلي، والفريق المعارض له، واشتد الخلاف بين المسلمين، راسل كلا الفريقين أكبر علماء العصر في تلمسان، وفي فاس، وفي تونس، وكانت المدن الثلاث العواصم السياسية، والدينية، والثقافية للأجزاء الثلاثة من المغرب الإسلامي. قلت راسل الفريقان كبار علماء العصر، يستفتيانهم في القضية، وكان كل فريق يأمل تأييد موقفه ضد موقف الفريق الآخر، المتهم بمخالفة تعاليم الشريعة.
وقد أورد الإمام الفقيه أحمد الونشريسي في موسوعته الفقهية المعيارالمعرب، مختلف الفتاوى التي تلقاها الفريقان، فكان ممن عارضوا المغيلي علماء من تلمسان و فاس، وعلى رأسهم الفقيه عبد الرحمن بن يحيى بن محمد بن صالح العصنوني المعروف بشرحه على التلمسانية، و قاضي توات أبو محمد عبد الله بن أبي بكر الاسنوني.
أما العلماء المؤيدين فقد كان على رأسهم الأئمة الأعلام محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي مؤلف الكتاب في ضبط القرآن الكريم "الطراز على ضبط الخراز" ، و محمد بن يوسف السنوسي، أبو عبد الله التلمساني الحسني عالم تلمسان و صالحها ، و أحمد بن محمد بن زكري المانوي أبو العباس المغراوي التلمساني مفتي تلمسان في زمنه.
ويقول المؤرخون: "... إنه فور وصول جواب هؤلاء العلماء لواحة تمنطيط، حمل المغيلي وأنصاره السلاح، وانقضوا على كنائس اليهود، فهدموها دون تأخير".
رحلة دعوة و إصلاح و تأليف في الصحراء :
بعد انتصاره على اليهود كما رأينا ، قام [ كما جاء في بحث بعنوان : " ملامح من التأثير المغربيّ في الحركة الإصلاحية في النيجر - للدكتور عبد العلي الودغيري رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر ] " هذا الداعية الكبير برحلته الطويلة إلى مناطق السودان الغربي، وظل مشتغلاَ بالدعوة والوعظ والتدريس والقضاء والفُتْيا وبَذَل النصح لأمرائها وأولي الأمر فيها. وطاف بعدد من عواصمها وأقاليمها فزار كانوا وكَشنَة في شمال نيجيريا، وكاغو (أو جاو) (الواقعة في مالي حالياً) وتَكَدَّة من منطقة أهير (التابعة للنيجر حالياً)، وغيرها من البلاد الواقعة بين نهري السنغال والنيجر، ويقول بول مارتي: »ونحن نعلم ـ حسبما هو متداول من معلومات ـ أن الإسلام دخل إلى بلاد الجرما والبلاد المجاورة إلى تساوة (Tessaoua)، وزندر (Zinder) بواسطة الشريف الكبير محمد بن عبد الكريم المغيلي، أو بالأحرى بواسطة تلاميذه المباشرين في القرن الخامس عشر«، إلى أن يقول: »لقد هبط المغيلي مع نهر النيجر إلى ناحية ساي (Saye)(1) [ منطقة "ساي" هذه هي التي توجد بها الجامعة الإسلامية بالنيجر حالياً، وتبعد عن نيامي بحوالي 50 كلم. ]
ريضيف قائلا: " وأرسل بعثات من قبله إلى بلاد جرما جندا (Djermagenda)، وربما إلى الشرق أيضاً ... وقد استُقبلتْ وفادة المغيلي إلى هذه المناطق بحفاوة بالغة، وقربه أمراؤها وملوكها وجعلوا منه مستشارهم الخاص ومرجعهم الفقهي الأعلى، وكتب لهم رسائل ووصايا وفتاوى في أمور الحكم والدولة والسياسة الشرعية منها:
... أ) " مجموعة في أمور الإمارة وسياسة الدولة " التي ألفها لأمير كانوا محمد ابن يعقوب المعروف بَرمْفت، وهي التي طبعت بعنوان مخترع: "تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين "[ طبعت هذه المجموعة طبعات متعددة وترجمت إلى الإنجليزية، وآخر طبعاتها صدرت سنة 1994 م، عن دار ابن حزم (بيروت)، بتحقيق محمد خير رمضان يوسف]. وقد سلك فيها مسلك أسلافه من علماء المسلمين الذين ألفوا كتباً في نصح الملوك، وإرشاد السلاطين مثل أبي بكر الطرطوشي في "سراج الملوك"، والماوردي في الكتاب المنسوب إليه باسم: "نصيحة الملوك"، وكتابه المشهور "الأحكام السلطانية"، والغزالي في كتابه "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، وابن الأزرق الأندلسي في: "بدائع السلك في طبائع الملك"، والحميدي في "الذهب المسبوك في وعظ الملوك" وغيرها مما هو معروف.
ب) ثم كتب للأمير رَمْفَا محمد بن يعقوب لأمير كانو وصية أخرى في " ما يجوز للحكام في ردع الناس عن الحرام " [ترجمها ريشار بلمر (R. Palmer) إلى الأنجليزية سنة 1914 م، ثم نشرها الألوري في كتابه "الإسلام في نيجيريا"، وضمنت أيضاً في كتاب "ضياء السياسات" لعبد الله بن فودي الذي نشره د. أحمد كاني سنة 1988م].
ج) ثم مكث مدة عند السلطان محمد بن أبي بكر التوري المعروف بالحاج أسكيا أمير مملكة سنغاي، وألف له أجوية عن أسئلة كثيرة وجهها إليه، وهي المجموعة التي عرفت باسم: "أسئلة أسكيا وأجوبة المغيلي" [ " أسئلة الأسكيا (كذا) و أجوبة المغيلي "، تقديم و تحقيق الأستاذ عبد القادر زبادية ، سلسلة ذخائر المغرب العربي ، مطبعة الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر سنة 1974 م ] ؛ فكانت بمثابة الحجة الشرعية الدامغة التي استعملها أسكيا في توطيد دعائم ملكه ومواجهة خصومه.
... وكان المغيلي بجانب ثقافته الدينية الواسعة وقيامه بأمور الوعظ والإرشاد، ومعرفته بأمور السياسة الشرعية، يحترم رجال الطرق الصوفية خاصة منهم أولائك الذين يبتعدون عن الدروشة و الخزعبلات،. وكثير من الباحثين يعتقدون أن له دور كبير في التعريف بالطريقة القادرية ؟؟؟ التي كان يحترم شيوخها ، ومنهم أستاذه و صهره المفسر الثعالبي الذي عرفه عليها، و يدعوا لهم بالنصر و النجاح، ولذلك انتشرت في السودان.
صدى هذه الدعوة في الصحراء :
إن المتفق عليه بين جميع الدارسين الذين تناولوا شخصية المغيلي من القدامى والمحدثين ومن العرب والغربيين، هو أن الرجل كان له تأثير قوي وملموس جداً ظل صداه يتردد بعده قروناً طويلة. وهذا يلخصه الشيخ الأمين محمد عوض الله بقوله في كتابه :" العلاقات بين المغرب الأقصى والسودان الغربي في عهد السلطنتين الإسلاميتين مالي وسنغاي" جدة، 1970، ص: 192" ما نصه:
" .....ونستطيع أن نؤكد من النصوص السابقة، أن الدور الذي قام به العالم الجليل المغيلي لا يدانيه أي دور قام به عالم مغربي في السودان الغربي. فقد ترك أثراً إسلامياً كبيراً، وقام بتصحيح مفاهيم كثيرة كانت مغلوطة في أذهان العامة والسلاطين".
ويقول الدكتور شيخو أحمد سعيد غلادنثي، وهو أحد ابرز المثقفين و المهتمين بالتراث الاسلامي في نيجيريا، ومن أبناء مدينة كانو بالذات، متحدثاً عن زيارة المغيلي لمدينته في كتابه:" حركة اللغة العربية وآدابها بنيجيريا، ط, 2، الرياض، 1993 م، ص: 42 ويذكر هذا المؤلف أن أحفاد المغيلي في كانو ما يزالون إلى اليوم يحضرون مجلس أمير كانو، ويكونون في حاشيته.:" ... ولقد كان لهذه الزيارة التي قام بها المغيلي إلى كانو صدى كبير، ونتائج عظيمة تركت أثراً واضحاً لا في كانو فحسب، ولكن في ولايات الهوسا جميعاً، لأن انتشار الإسلام في كانو أدى إلى انتشاره في الولايات الأخرى [من نيجريا]. ومن ذلك الوقت نستطيع أن نقول إن ولاية كانو أصبحت ولاية إسلامية حقاً، وبدأت بعدئذ تلعب دوراً هائلاً في خدمة الثقافة الإسلامية في الولايات الأخرى".
ويذكر هذا المؤلف اضافة الى ذلك بأن أحفاد المغيلي في كانو ما يزالون إلى اليوم [ 1993 م ] يحضرون مجلس أمير كانو، ويكونون في حاشيته.
و لما أرخ المرحوم الشيخ آدم الألوري لحركة الأدب واللغة العربيين في نيجيريا في كتابه الذي سماه:[ "مصباح الدراسات الأدبية في الديار النيجيرية" ط 2، 1992، (دون ذكر المكان)، ص: 18 ـ 19] أشاد بدور الإمام المغيلي الفعال في ترقية العلوم العربية والثقافية الإسلامية ، و اعترف بتأثيره الكبير في هذه الناحية ، مما جعله يسمى قسما من الخمسة ادوار التي عرفتها عصور الأدب العربي في نيجيريا منذ قيام هذا الأدب فيها إلى العصر الحاضر، قلت يسميه بعصر المغيلي ،و هذه الأدوار رتبها كالتالي:
1 ـ العصر البرناوي (عصر ظهور الإسلام في نيجيريا، من القرن الخامس إلى السابع الهجري؛
.. 2 ـ العصر الونغري (من القرن السابع إلى القرن التاسع)؛
.. 3 ـ عصر المغيلي (من القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر الهجري)؛
4 ـ العصر الفلاني (يبدأ بظهور ابن فودي وقيام دولته إلى سقوطها في بداية القرن الحالي)؛
.. 5 ـ العصر الأنجليزي (في القرن العشرين).
ثم يجعل من نص بعض فتاوى المغيلي الواردة في أجوبته لأسئلة أسكيا، نموذجاً لأسلوب الكتابة العربية في هذا العصر الأدبي الذي سماه بالعصر المغيلي.
... وأخيراً يختم المرحوم الألوري في كتابه المشار إليه شهادته في حق المغيلي بالقول: " ... فقد استفادت البلاد منه كثيراً، وآثاره كثيرة في ميادين عديدة واضحة ملموسة لكل صغير وكبير، في الحكم والسياسة والعلم والأدب... ولقد تعلم منه الكثيرون، والكثيرون من علماء هذه البلاد؛ واتصل بسلاطين كانو وكَشِنَة وأكذر وتَكَدَّ؛ ووضع لهم وصايا سياسية على القواعد الشرعية، وهي محفوظة في الدوائر الحكومية ومعمول بها في الأوساط الرسمية".
تأثيره في الحركات الإصلاحية و الدعوية:
لقد أنجزت أبحاث تاريخية عن تأثير هذا الإمام في الحركات الإصلاحية و الدعوية في الصحراء خاصة بعد إنشاء مركز أحمد بابا سنة 1973 م ، و هو يحتوى على الكثير من آثاره و مخطوطاته، و كانت هذه المخطوطات و الرسائل موضوع رسالة دكتوراه قدمها في جامعة لندن النيجيري حسن إبراهيم كوارزو سنة 1972 م بلندن - دكتور حاليا و أستاذ كرسي بغانا – تحت إشراف البروفيسور الانجليزي جوهن هوناك الذي اصبح رئيسا لمركز الدراسات الإفريقية في مدينة وسترن الجديدة بالولايات المتحدة الامريكية.تحت عنوان :
" The Life and Teaching of Al-Maghali "
لقد ظل تأثير المغيلي هذا الذي تحدثنا عنه محفوظاً في ذاكرة الأجيال من أبناء السودان الغربيّ عموماً ونيجيريا على الخصوص، وظلت أعماله وآثاره المكتوبة والروايات الشفوية المنقولة عنه يحفظها العلماء ويتداولها أهل الإصلاح والسياسة ورجال الدعوة جيلاً بعد آخر .... حتى إننا لا نكاد نجد مؤلفاً من مؤلفات علماء السودان و النيجر و نيجيريا والقائمين بالدعوة و الإرشاد في هذه البلدان، والمؤرخين للحركات الإسلامية فيها، يخلو من الإشارة للإمام المغيلي والنقل عنه والرجوع إلى وصاياه وفتاواه ورسائله، والاحتجاج بأقواله وآرائه في تدعيم دعوتهم وإسناد الأفكار التي تضمنتها حركتهم الجهادية والإصلاحية والدعوية ، حيث كانوا يواجهون خصومهم و ما يقيمونه في وجههم من حملات التشكيك والتشويش في العديد من القضايا الدينية والدنيوية بفتاوى الإمام المغيلي وكتاباته بما لها في نفوس الجميع من الإجلال والإكبار هي الحجة الدامغة من بين الحجج التي يتْأكون عليها و يسوقونها للاحتجاج عليهم ومجادلتهم في مجالس المناظرات والمناقشات والمطارحات السياسية والدينية.
على أن تأثير المغيلي في علماء و فقهاء و دعاة افريقيا الغربية و الشرقية لا يمكن حصره في مجرد النقول الكثيرة التي نجدها تتردد في جل كتاباتهم، بل لقد تجاوز ذلك إلى إقتدائهم بسيرته وطريقته في ردع البدع ومنهجه في الدعوة، وإلى العمل بآرائه والاقتداء بأفكاره واستعمالها في تدعيم مواقفهم و مجادلة خصومهم . وكثيرٌ من الفصول والرسائل التي كتبها هؤلاء العلماء و الدعاة ما هي إلا تكرار أو شرح أو تلخيص أو تعليق أو إعادة إنتاج لأفكار المغيلي وكتاباته وترداد لمقولاته وآرائه.
و قد تعدى تأثير الإمام المغيلي إلى الحركات الإصلاحية و الدعوية حتى أواسط إفريقيا من خلال آثاره وفتاواه ورسائله ووصاياه التي ورثها من ملوك و علماء السودان ، ومن خلال غيرته على الإسلام والدفاع عن بيضته باللسان ثم باليد ثم بشهر السلاح.
مؤلفاته و آثاره:
إلى جانب الكتب و الرسائل التي ذكرها الدكتورعبد العلي الودغيري رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر و هي :
- "تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين "
- " ما يجوز للحكام في ردع الناس عن الحرام "
- "أسئلة أسكيا وأجوبة المغيلي"
فهناك من المؤرخين من أوصل مؤلفات الإمام المغيلي إلى أكثر من ثلاثين كتابا و رسالة اذكر منها:
- "البدر المنير في علوم التفسير".
- " تفسير سورة الفاتحة ".
- "مصباح الأرواح في أصول الفلاح " و هي التي ضمنها فتاويه، و منها فتواه في نازلة توات [ و قد حققها ونشرها الأستاذ رابح بونار – رحمه الله – في سلسلة دخائر المغرب العربي ، طبعة الشركة الوطنية للنشر و التوزيع - الجزائر سنة 1968م ] ، وعرفت في بعض المصادر باسم: "تأليف فيما يجب على المسلمين من اجتناب الكفار".
- " التعريف بما يجب على الملوك "
- " أحكام أهل الذمة "
- " تنبيه الغافلين عن مكر الملابسين بدعاوي مقامات العارفين"
- " شرح مختصر خليل سماه مغني النبيل "
- " مختصر تلخيص المفاتيح "
- " شرح بيوع الاجل من كتاب ابن الحاجب"
- " كتاب فتح المتين "
- " مفتاح النظر" في علم الحديث و وهو شرح و إضافة لما كتبه الإمام النووي في كتابه " التقريب " انظر :"معجم أعلام الجزائر" ص 308 .
- "منح الوهاب في رد الفكر إلى الصواب " منظومة في المنطق ، له شرح عليها سماه :
- " إمناح الأحباب من منح الوهاب ".
- "مناظرة بينه و بين الشيخ السنوسي محمد بن يوسف" في التوحيد – مخطوط رقم: 22 ضمن مجموع بخزانة القرويين.
- " حاشية على خليل"
- " شرح على جمل الخونجي".
- وله نظم ، منه قصيدة عارض بها البردة ، وغير ذلك .
رحلته الى الحج و عودته الى توات ووفاته:
قام الامام المغيلي بأداء فريضة الحج ، عاد بعدها ليستقر بمدينة توات خاصة بعد ان قتل اليهود ولده البكر عبد الجبار انتقاما من والده الذي ضيق عليهم و قهرهم و أذلهم ، بعد عودته إلى توات قصده طلاب العلم و العلماء فلم يبخل عليهم بعلمه و فقهه رغم كبر سنه و بقي وفيا لرسالته في الدعوة و الإصلاح إلى وفاته رحمه الله سنة 909 هـ ، و سنة الوفاة هذه يشك فيها بعض المؤرخين ، و الله أعلم ، و دفن في بلدية زاوية كونتة في ادرار رحمه الله تعالى و جزاه بكل خير .
ويقال:" إن بعض ملاعين اليهود مشى لقبرهفبال عليه فعمي مكانه"
أوردها أحمد باب التنبكي فينيل الابتهاج ص331 ، و ابن مريم في البستان ص 246 ،
ملاحظة : أتذكر أن مدينة أدرار أقامت سنة 1985 م أول مهرجان ثقافي للتعريف بتاريخ المنطقة، و ألقيت فيه محاضرات قيمة منها محاضرة للمحقق الشيخ المهدي بوعبدلي - رحمه الله - و نشرتها مجلة الأصالة ترجمت للإمام المغيلي فلعل احدهم ينشرها هنا أو يفيدنا بها جزاه الله خيرا.
المصادر و المراجع:
- " الأعلام " خير الدين الزركلي - دار العلم للملايين - بيروت لبنان- الطبعة الخامسة أيار (مايو) 1980 م.
- " تاريخ الجزائر الثقافي" الدكتور أبو القاسم سعد الله ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م.
- " الجزائر أرض عقيدة و ثقافة" ( باللغة الفرنسية )
Algerie, Terre De Foi Et De Culture تأليف الوزير و السفير السابق كمال بوشامة – طبع دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع – الجزائر 2007 م.
-" البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان"، لابن مريم محمد بن أحمد: نشر محمد بن أبي شنب، تقديم عبد الرحمن طالب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1988 م.
- "تعريف الخلف برجال السلف" الحفناوي، أبو القاسم محمد - مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1985 م.
- " الإمام المغيلي وآثاره في الحكومة الإسلامية في القرون الوسطى في نيجيريا" آدم عبد الله الألوري، ط 1، مصر، 1974 م.
- بحث بعنوان " ملامح من التأثير المغربيّ في الحركة الإصلاحية في النيجر" للدكتور عبد العلي الودغيري - رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر منشور في مجلة التاريخ العربي ( النسخة التي عندي ينقصها التاريخ ).